المقالات والبحوث

حوار حول كتاب التعارض وطرق دفعه عند ابن تيمية

Picture of أ.د. عبد السلام الحصيّن
أ.د. عبد السلام الحصيّن

ترك شيخ الإسلام إرثاً عظيماً له مكانته العلمية التي تسابق بسببها الباحثون وتبحروا فيه بمختلف تخصصاتهم، رغم المزاعم التي تدّعي أن الموضوعات المستندة على تراث ابن تيمية قد قتلت بحثاً إلا أن هناك دراسات حديثة لازالت تطبع إلى اليوم وتغذي جانباً مهما من مسائل العلم وتسد احتياجاً وعوزاً علمياً بين الباحثين.

أعددنا لكم سلسلة من الحوارات حول دراسات ابن تيمية مع عدد من الباحثين في عدد من التخصصات ، وفي مطلع سلسلتنا اخترنا كتاب (التعارض وطرق دفعه عند ابن تيمية جمعاً ودراسة) والذي أجرينا حوله هذا الحوار مع مؤلفه الدكتور: عبد السلام بن إبراهيم الحصيّن ، أصل الكتاب رسالة دكتوراه ، وقد صدر في طبعته الأولى عن دار التوحيد عام 1438 هـ – 2017م.

١ – لماذا اخترت رسالة حول ابن تيمية؟ وكيف جاءتك الفكرة؟ 

يعتبر ابن تيمية أحد العلماء الكبار الذين اعتنوا بموضوع التعارض، فتحدث عن تعارض القياس مع النصوص، وتعارض العقل مع النقل، إضافة إلى حديثه في تضاعيف مصنفاته عن التعارض بين الأحاديث وكيفية دفعها، وكذلك أيضا له حديث متفرق كثير عن تعارض المصالح والمفاسد، وتعارض المصالح مع بعضها، وتعارض المفاسد مع بعضها، وتحدث عن تأصيل دفع هذا التعارض، كما طبق هذه القواعد في وقائع كثيرة.

وقد جاءت الفكرة من اقتراح موفق من أخي الفاضل المبارك الأستاذ الدكتور فيصل بن سعود الحليبي شكر الله له، ثم رعى هذه الفكرة وسقاها، وتابعها فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله العيسى، الذي كان مرشدا لي في مرحلة تسجيل هذا الموضوع، وموضوع التعارض فيه رسائل كثيرة جدا، فكان القسم المختص يرغب في إبراز الجديد من هذا الموضوع، فقمت بجرد الرسائل والكتب في موضوع التعارض، وجمعت عناصرها، وعرضتها على ما تجمع لدي من أفكار وموضوعات عن التعارض عند ابن تيمية، ووضعت ذلك في ملحق خاص منفصل عن الخطة، بناء على رغبة القسم لإثبات ما يمكن أن تقدمه الرسالة من جديد في هذا الموضوع.

٢– من خلال قراءتك لتراث ابن تيمية ما أجمل كتب ابن تيمية التي أعجبتك؟ واستفدت منها؟ وهل رسالتك ألزمتك بقراءة تراث ابن تيمية كاملا؟ 

الرسالة بحد ذاتها لم تلزمني بقراءة تراث ابن تيمية كاملا، ولكن أنا ألزمت نفسي لسببين: أولاهما: رغبتي في قراءة تراث ابن تيمية، وهذه فرصة أتيحت لي، ربما لا تتكرر، وآخرهما: أن موضوع التعارض متناثر في التراث التيمي، بين الفقه، والتفسير والحديث والعقيدة والأصول، وتطبيقاته متناثرة كذلك، وقد تجد في رسالة قصيرة ما لا تجده في كتاب كبير، وقد تظفر بمثال أو قاعدة أو ضابط في غير مظانه، فلهذا ألزمت نفسي بقراءة كل ما يصل إلي أو يقع تحت يدي من تراثه.

وكتب الشيخ كلها في الغالب جميلة، ولكن من أجملها وأبدعها: اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، والصارم المسلول على شاتم الرسول، والجواب الصحيح على من بدل دين المسيح، ومنهاج السنة النبوية، ودرء تعارض العقل والنقل، وبيان التأسيس، ورفع الملام عن الأئمة الأعلام، والواسطية، والوصية الصغرى والكبرى، والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وإقامة الدليل على بطلان التحليل، والرد على المنطقيين.

٣– ما نظرتك لابن تيمية قبل الرسالة وبعد الرسالة؟ وهل تغيرت؟ 

كانت نظرتي للشيخ رحمه الله قبل قراءة الرسالة نظرة فيها إجمال، وهي نظرة إعجاب مطلق، دون تعمق في التفاصيل، ولكن بعد القراءة اكتشفت جوانب مهمة تؤكد هذه النظرة وتزيدها قناعة، ولكنها كذلك أثرت في الاعتدال في النظر إلى آرائه وترجيحاته، وعرضها على الأدلة والقواعد، كما أنه قد ظهرت تفاصيل في حياته لم تكن تخطر على البال، كاتصاله بالحكام، وأسلوبه في مخاطبتهم، وطريقته في التعامل معهم، وكذلك في بيان الحق لهم، ونصحهم، فيوازن بين المصالح والمفاسد في العلاقة معهم، كما ظهرت لي أيضا علاقته بإخوانه من أهل العلم، فمع حدته في النقاش، لكن مع إنصاف، وحرص على نقل كلام المعارض بنصه، دون تصرف، ومع لطف في التعامل، وأدب في التخاطب، وحفظ للحق، واعتدال في المناقشة والرد.

4 – في رأيك ما أعظم ما تميز به ابن تيمية؟ 

القدرة على تتبع منشأ الفكرة، والربط بين المعلومات، واكتشاف العلاقات الخفية بين الأقوال والدلائل، وقدرته على الموازنة بين المصالح والمفاسد.

٥– ما أبرز الصعوبات التي واجهتها أثناء الرسالة؟

من أبرز الصعوبات: 1-كثرة كتب ابن تيمية، وتكرار عناوين المؤلفات المطبوعة، 2-رداءة الطباعة وكثرة التحريف في بعض المؤلفات، 3-كثرة الكتابات عنه، وبعضها جيد وبعضها رديء، فكان من الصعوبة تتبعها جميعا.  4-منهج ابن تيمية في الكتابة، من حيث الاسترسال، وتشعب الفكرة إلى مواضيع كثيرة، وعدم الاستيفاء عن الموضوع في مكان واحد، فتحتاج أن تقرأه في أكثر من مكان حتى يتضح لك بجلاء. 5-مناقشته لأهل الكلام، وأهل الفلسفة، بنفس أسلوبهم، ونقضه للقضايا العقلية، والجواب عنها بأوجه كثيرة متنوعة، يكاد يصعب فهمها، إلا بتكرار وزيادة تأمل.

٦– وصيتك للباحثين في تراث ابن تيمية؟ 

1-قراءة الكتب الرئيسة كاملة، قبل قراءة مجموع الفتاوى الذي جمعه ابن قاسم، 2-عدم الاستعجال في الحكم على فكرة أو رأي قبل تتبعها في كلامه المتفرق. 3-التأكد من نسبة الكلام إلى ابن تيمية؛ لأنه قد ينقل الكلام بطوله، فيظن القارئ له أنه يقر به، وهو يريد الرد عليه، أو يكون قد رد عليه في مكان آخر..

٧– ما أعظم ما استفدته من قراءة تراث ابن تيمية؟ 

أعظم فائدة خرجت بها من قراءة تراث ابن تيمية هي النظرة الشمولية للأدلة، ومحاولة الجمع بينها، وتتبع الأدلة جميعًا، وفهمها في سياقها الصحيح، وعدم ضرب بعضها ببعض، وكذلك التوازن في تحقيق الأحكام الشرعية في الواقع العملي، والتفريق بين تقرير الأحكام وبيانها، وبين تطبيقها في الواقع.

٨- هل الرسالة مطبوعة؟ متوفرة في المكتبات، من أين يمكن اقتناء الرسالة؟ (يكون السؤال الأخير)

الرسالة مطبوعة الطبعة الأولى سنة 1438، من إصدار الجمعية الفقهية السعودية، والناشر دار التوحيد.

٩- برأيك من أين يبدأ من يريد أن يكتب عن ابن تيمية؟

يبدأ بكتبه الصغيرة، التي حرر فيها فكره، ووضع فيها خلاصة علمه، وخلصها من النقاشات وإيراد الاعتراضات والجواب عنها.

ثم من حيث يريد تقرير الفكرة التي يريد أن يكتب بها عن ابن تيمية، فالحديث عن ابن تيمية كبير جدا، ولكن المهم أن لا يبدأ قبل أن يكون قد تشبع بقراءة تراثه؛ لتكتمل عناصر الفكرة في رأسه جيدا.

١٠- هل ترى الرسائل عن ابن تيمية وما كتبه أشبعت وقتلت بحثا؟

الكتب حول ابن تيمية كثيرة جدا، يكاد الباحث يعجز عن حصرها، فلا أدري في الحقيقة هل بقي شيء من الجوانب في حياته لم تدرس دراسة جيدة.

١١- ماهي الأدوات التي ترى أنه لابد للباحث أن يجيدها للدخول في عالم ابن تيمية؟

تراث ابن تيمية متفاوت الدرجات، من حيث الوضوح، والبيان، والموضوع، فبعض الكتب يمكن للقارئ العادي أن يقرأها ويفهمها، وينتفع بها، وبعضها تحتاج إلى معرفة سابقة ببعض العلوم، والذي يدخل إلى عالم ابن تيمية وهو متوسط المعرفة في العلوم، فسوف يكون مأخوذا بفكر ابن تيمية وأقواله في كل شيء، ولكنه لن يتمكن من فهم كلامه كله، وأما إذا دخل عالم ابن تيمية ولديه تحصيل جيد في الفقه وأصوله، وفي التفسير والحديث، وفي العقيدة والمنطق، وفي اللغة، فسوف تكون نظرته معتدلة، وسوف ينتفع انتفاعا عظيما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البريد الإلكتروني

[email protected]

موقعنا يستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك أثناء التصفح