مصافحة أولى - برنامج التدريب على قراءة نصوص ابن تيمية
الخروج من حرّان
فـي ليلـة مظلمـة عـام ٦٦٧ هـ، مترعـةٍ بالخـوفِ والقلـق، خـرج عبدالحليـم وزوجتـه مـع أولادهمـا هاربيـن مـن جنـد التتـار الغازيـن لمديتنهـم الصغيـرة حـران، وزاد قلـق الوالدين عندما اختلّت العربـة، فابتهـل الوالـد إلـى ربـه واسـتغاث بـه، فنجـى الله تلك العائلة الصغيرة القاصدة دمشق.
لـم يـدر بخلـد الأسـرة حينهـا، أن طفلهـم الصغيـر أحمـد، والبالـغ مـن العمـر سـت سنوات، سيجاهد التتار بسيفه وقلمه، محفزاً أهل الشام ومصر لمواجهتهم. ولـم تعلـم دمشـق لحظتهـا أنهـا تفتـح أبوابهـا للطفـل الـذي سـيصير بعـد عقـود قليلـة: شـيخ الإسلام، تقـي الديـن، أبـو العبـاس، أحمـد بـن عبدالحليـم بـن عبدالسلام ابن تيمية!
كان النبـوغ العلمـي لابـن تيميـة رحمـه اللـه، والنشـأة العلميـة الفريـدة، يؤهلانـه للتدريس في أرفع الكراسي العلمية التي كانت تحفل بها دمشق، وربما لو أراد لنـال مناصـب علميـة مميـزة فـي المـدارس والمعاهـد العلميـة؛ لكـن الشـيخ قـد اختار نمطًا مختلفا لحياته العلمية.
لو أخذنا لقطة عريضة لمصنفات الشيخ ابن تيمية، لوجدناها غير مشغولة في أكثرهـا بشـرح المتـون العلميـة، وكتابـة المصنفـات المدرسـية، ولكنهـا تلاحـق قضايـا يضطـرب بهـا الواقـع العلمـي فـي ذلـك العصـر، فتسـعى لمعالجتهـا وتقويمها.
وعلى الرغم من انطلاقها من الواقع المضطرب، وغلبة الرؤية السجالية فيها، إلا إنّ الشيخ قد ركّز في تصنيفها على ضبط المعالجات بالقواعد الكليّة، وتأصيل النظر العلمي في أرض الدلائل القرآنية والحديثية وفقه السلف، وتظهر فيها صنعة التأليف المنهجي المزدان بالتقسيمات والتأصيل والتفريع، على الرغم من حياة دسمة حقًا!
يمثّل الشيخ رحمه الله منبعاً لإلهام طلاب العلم، وتمثل الدراسة الواعية لكتبه نقلة نوعية في برامجهم وطرائق تفكيرهم، حيث يخرج منها القارئ بقدرة على التفكيك والتحليل والنقد، ورد الفروع إلى أصولها والأقوال إلى منابتها، وغير ذلك مما ينمي ملكاته العلمية وقدراته البحثية.
يأتي برنامج (قراءة نصية في تراث ابن تيمية) ضمن برامج مبادرة التراث التيميّ لقراءة تراث ابن تيمية قراءة نصية تحليلية، للغوص في أعماقها ويفكك مغلقاتها ويكشف معانيها، عبر لقاءات دورية وتفاعلية.
